التحذير من عيد الحب
سلسلة : التحذير من عيد الحب
حكم الاحتفال بعيد الحب
أولاً: الحب هو مَيْلٌ وتعلّق قلبي يُحِسُّ معه المُحب باللذة والراحة، وقد حث عليه الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تؤمنوا حتى تحابوا” [أخرجه مسلم (54)]، ورغّب في التعبير عنه فقال صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه” [أخرجه أبو داود (5124) وصححه الألباني]، والحب في الإسلام أعم وأشمل وأسمى من قَصْرِه على الحب بين الرجل والمرأة؛ بل منه حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب الصحابة رضي الله عنهم، وحب الدين والطاعات، وحب أهل الخير والصلاح، وحب الأهل والزوجة والولد، وغير ذلك؛ ولتعدد صوره وأنواعه كان منه المطلوب المشروع، ومنه المذموم الممنوع؛ وذلك بحسب ما تعلّق به القلب ومال إليه:
– فمحبة الله ورسوله فرض على كل مسلم ومسلمة؛ بل شرط من شروط الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين” [أخرجه البخاري (15)]، وهي محبة تستلزم طاعة المحبوب، فمن زعم أنه يحب الله ورسوله ثم خالف أمرهما فقد أقام البرهان على اختلال دعواه، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحْبِبكم الله} [آل عمران: 13].
– وحب المؤمنين والصالحين ومحبة الطاعات؛ من أفضل القُرَب وأَجَلِّ العبادات، قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار” [أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43(].
– ومحبة الوالدين والزوجة والأولاد؛ حب جِبِلِي فِطْرِي، إذ يميل المرء إليهم بالفطرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” [أخرجه أبو داود (2134)، وقال الحاكم 2/187: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي].
– ومحبة الفَسَقَة والعصاة والمحرمات؛ بأن يتعلق القلب بهم ويميل إليهم، أو يتعلق بأفعالهم المحرمة؛ فكل ذلك من الحب المحرم الممنوع، قال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حادّ الله ورسوله} [المجادلة: 22].
– والحب بين الشباب والفتيات؛ فهذا يكون جائزاً إذا اتقى المُحب اللهَ تعالى فَغَضّ بصره حتى يجد سبيلاً إلى المحبوب بالزواج أو ينصرف القلب عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح” [أخرجه ابن ماجه (1847) وصححه الألباني]، أما إذا تَمَكّن الحب من القلب ولم يستطع المحب إعفاف نفسه وسعى إلى المحبوب بالطرق المحرمة من النظر أو التواصل بالكلام أو المراسلة فضلًا عن التواصل باللقاءات المباشرة وما يَعقُبها من الخلوة وتوابعها فهذا من الحب المذموم المحرّم، وهو مما تُبْتَلى به القلوب الفارغة من محبة الله المُعرضة عنه، وأكثر دعاوى الحب المزعومة اليوم بين الفتية والفتيات هي من هذا النوع المحرم.
ثانياً: إن النفوس بطبعها مُحِبَّة للفرح، ومجبولة على السرور، وقد جاء الشرع بالترغيب في إشاعة الفرح ورغّب في إدخال السرور على النفوس، وجعل ذلك من خير الأعمال وأحبِّها عند الكبير المتعال، قال صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله سرور تُدْخِله على مسلم” [أخرجه الطبراني في الأوسط (6026) وصححه الألباني]، ووعد الثواب الجزيل على لقاء الناس بالبِشْر والفرح والبشاشة، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق” [أخرجه مسلم (2626)]، وقال: “إنَّكم لن تَسَعُوا الناسَ بأموالكم، ولكن يَسَعُهُم منكم بَسْطُ الوجه وحُسن الخلق” [أخرجه البزار (8544) وصححه الألباني]؛ ولكن ذلك مشروط بأن يكون بالطرق المشروعة والسُّبُل المباحة، وألا يكون فيه محاذير شرعية ولا بارتكاب مخالفات نهى الله عز وجل عنها.
ثالثاً: إن الاحتفال بيوم عيد الحب والاحتفاء به واتخاذه مناسبة لتبادل شعارات الحب والغرام وإهداء الهدايا والتهنئة به، كل ذلك بدعة محرمة لا أصل لها في الشرع؛ فيحرم إنفاق المال في سبيله، ولا تجوز لمسلم المشاركة فيه، وفاعل ذلك آثم؛ ويدل لذلك أمور:
1- أنه ابتداع لعيد غير شرعي، وليس في ديننا إلا عيدان، قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: “قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة ولهم يومان يلعبون بهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما يوم الفطر والأضحى” [أخرجه أبو داود (1134)، وصححه الألباني]، قال الذهبي: “فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، كانوا مختصين به، فلا يشركهم فيه مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم” [تشبه الخسيس بأهل الخميس ص27].
2- أن فيه تشبها بشعائر النصارى فيما هو من خصائصهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من تشبه بقوم فهو منهم” [أخرجه أبو داود (4031) وصححه الألباني].
3- فيه إذاعة للفاحشة، وإشاعة للرذيلة، وترويج للعلاقات المحرمة بين أبناء المسلمين، وقد قال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} [النور: 19].
4- فيه دعوة إلى العشق المحرم وترغيب في الحب المذموم، وإشغالٌ للقلب بما يُضعف الإيمان ويقوي داعي الشهوة.
فالواجب على شباب المسلمين وفتياتهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يلتزموا بشرعه، ويتركوا هذه الأفعال المحرمة والأعمال القبيحة، وليحذروا من التساهل في الاختلاط بين الذكور والإناث والتواصل فيما لا حاجة له ولو عن طريق وسائل التواصل الافتراضية؛ فمعظم النار من مستصغر الشرر وليعلموا أنه لا يباح للشاب أن يرتبط بالفتاة عاطفياً ويتعلق بها ويُظْهِر لها مشاعر الحب والغرام إلا عن طريق الزواج الشرعي فقط، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم: 21].
ويجب على أولياء الأمور من آباء وأمهات إرشاد أبنائهم وبناتهم ومتابعتهم وتحذيرهم من مثل هذه المحرمات، والأخذ على أيد السفهاء منهم، قال تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} [التحريم: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا كلكم راع فمسؤول عن رعيته” [أخرجه البخاري (893)]، وقال: “كفى بالمرء إثماً أن يُضيّع من يقوت” [أخرجه أبو داود (1692) وحسّنه الألباني].
والله أعلم وأحكم.
إعداد:
اللجنة العلمية بالهيئة.