إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)[آل عمران: 102].(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)[النساء: 1].(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً)[الأحزاب: 70 – 71]، أما بعد:فقد أحزَن كلَّ مسلمٍ مُوحِّدٍ غيور على عقيدته – ما نشرته دارُ الإفتاء المصرية، من الترويجِ للشرك بالله ﷻ في ألوهيته وربوبيته وصفاته من خلال تجويز طلب المدد من الأموات، ثم تعليلِها لفتواها بمذهب العادة المستنِد على القول بالجبر، ثم دفاعِها عن مُقارفِي ذلك بمذهبِ الإرجاء، ثم خبطِها وخلطِها في منهجية الحكم على الناس، بأسلوب رخيص يتضمنُّ تهديداً للمخالفِ بأنْ يُحشَرَ في عِراضِ الخوارج التكفيريين إنْ صدَعَ بمذهبه، كلُّ هذه الموبقاتِ مُحتوَى فتوى لا تبلغ سبعةَ أسطر، فكانت كأنَّ ابنَ القيِّمِ -رحمه الله- أرادها بقوله:جَبرٌ وإرجاءٌ وجِيمُ تجهُّمٍفتأمَّلِ المجموعَ في الميزانِوهذا ردٌّ على ما جاء فى فتوى الدار المصرية: المسألةُ الأولى: طلبُ المدد من غير الله، قالت الدارُ: “لا مانع شرعا من طلب المسلم المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين، ولا فرق في ذلك بين أن كونهم أحياء أو منتقلين”.الرد:المدد هو الإعانَةُ على جلب نفع، أو الإغاثةُ لدفع ضر، وطلبُه من غير الله – في المُجمل – على قسمين اثنين:الأول: طلبُ المدد من حي حاضر قادر، فهذا لا بأس به، لقوله ﷻ متوعدا مانعه: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون [الماعون – 6]. وقال ﷺ : (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) [مسلم – 2199].الثاني: طلب المدد من ميت، أو من حي فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو من غائب تُضفَى عليه أوصافٌ لا تليق إلا بالله سبحانه – كلُّ هذا من الشرك بالله تعالى في ألوهيته، إذ الاستعانةُ صنفٌ من صنوف العبادة، قال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة – 4] . وقال ﷺ : (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) [الترمذي – 2516].فطلب المدد من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرط ظاهر في الألوهية؛ لأنه صرفٌ للعبادةِ إلى غير الله، والشرك في الألوهية يستلزم الشرك في الربوبية؛ لاعتقاد الطالب أن ثَمت متصرفاً في الكون مع الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهو كذلك مستلزم للشرك في الأسماء والصفات؛ لإضفاء طالبِ المدد على الطلوب من الصفات ما لا يليق إلا بالله سبحانه، كالإحاطة بالخلق، وسَعة السمع، ونفاذ الإرادة، وشمول القدرة.وهذه بعض النقول عن الأئمة الأربعة في تحريم طلب المدد من غير الله:- قال القرافي المالكي في الأدعية البدعية المخرجة عن الملة ومنها دعاء غير الله: ” فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرا شديدا لما تؤدي إليه من سخط الديان والخلود في النيران وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة واستباحة الأرواح والأموال وهذا فساد كله يتحصل بدعاء واحد من هذه الأدعية ولا يرجع إلى الإسلام ولا ترتفع أكثر هذه المفاسد إلا بتجديد الإسلام والنطق بالشهادتين فإن مات على ذلك كان أمره كما ذكرناه”. [ أنوار البروق – 4/265].- وقال محمد بن سلطان المعصومي الحنفي: “يا أيها المسلم العاقل الصحيح الإسلام، تدبّر وتفكر، هل ثبت أن أحداً من الصحابة رضي الله عنهم نادى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أو بعد مماته من بعيد واستغاث به؟ لم يثبت عن أحد منهم أنه فعل مثل ذلك، بل قد ورد المنع من ذلك كما سأذكره إن شاء الله تعالى … ففي شرح القدوري: إن من يدعو غائباً أو ميتاً عند غير القبور، وقال: يا سيدي فلان! ادع الله تعالى في حاجتي فلانة، زاعماً أنه يعلم الغيب، ويسمع كلامه في كل زمان ومكان، ويشفع له في كل حين وأوان، فهذا شرك صريح، فإنّ علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى، وكذا إن قال عند قبر نبي أو صالح: يا سيدي فلان اشف مرضي، واكشف عني كربتي، وغير ذلك، فهو شرك جلي؛ إذ نداء غير الله طالباً بذلك دفع شر أو جلب نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاء، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك”. [حكم الواحد الصمد في حكم الطالب من غير الله المدد – 315].- وقال المقريزي الشافعي: “وشرك الامم كله نوعان : شرك في الإلهية، وشرك في الربوبية، فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عُبِّادِ الأصنام، وعُباد الملائكة، وعُباد الجن، وعُباد المشايخ والصالحين الأحياءِ والأموات، الذين قالوا {ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى} ويشفعوا لنا عنده، وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قربٌ وكرامةٌ”. [تجريد التوحيد – 14].- وقال ابن الجوزي الحنبلي: “قال ابن عقيل: لمَّا صعُبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وإكرامها بما نهى عنه الشرع، من إيقاد النيران، وتقبيلها، وتخليقها، وخطاب الموتى بالألواح -بالحوائج- وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ التراب تبركا، وإفاضة الطيب على القبور، وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر؛ اقتداء بمن عبد اللات والعزى”. [تلبيس إبليس – 448]..

ر

Leave a Comment